مركز التاريخ الشفوي بكلية الآداب بالجامعة الإسلامية ينظم لقاءً علميًا حول “دور الرواية الشفوية في الكشف عن المجازر الصهيونية والموقف القانوني والدولي منها: مجزرة الطنطورة أنموذجاً”

مركز التاريخ الشفوي بكلية الآداب بالجامعة الإسلامية ينظم لقاءً علميًا حول “دور الرواية الشفوية في الكشف عن المجازر الصهيونية والموقف القانوني والدولي منها: مجزرة الطنطورة أنموذجاً”

على هامش مؤتمره الدولي الثاني المقرر أكتوبر القادم

مركز التاريخ الشفوي بكلية الآداب بالجامعة الإسلامية ينظم لقاءً علميًا حول “دور الرواية الشفوية في الكشف عن المجازر الصهيونية والموقف القانوني والدولي منها: مجزرة الطنطورة أنموذجاً”

عقد مركز التاريخ الشفوي والتراث الفلسطيني بكلية الآداب بالجامعة الإسلامية وتجمع حكماء فلسطين اللقاء العلمي الرابع الموسوم بـ”دور الرواية الشفوية في الكشف عن المجازر الصهيونية والموقف القانوني والدولي منها: مجزرة الطنطورة أنموذجاً”، والذي استضاف خلاله الأستاذ الدكتور سلمان أبو ستة، رئيس هيئة أرض فلسطين من بيروت، والأستاذ الدكتور عبد الحميد صيام، الخبير في شؤون الأمم المتحدة والناطق السابق باسمها من الولايات المتحدة الأمريكية، والباحث والمؤرخ الأستاذ الدكتور جوني منصور من حيفا.

ويأتي هذا اللقاء ضمن سلسلة لقاءات علمية ينظمها المركز تمهيدًا لمؤتمره العلمي الثاني الذي من المقرر تنظيمه يومي التاسع والعاشر من أكتوبر القادم.

وافتتح اللقاء الأستاذ الدكتور رياض شاهين، رئيس مركز التاريخ الشفوي والتراث الفلسطيني بكلية الآداب بالجامعة بالترحيب بالضيوف والحضور، وبالتشديد على دور الرواية الشفوية في حفظ تاريخ فلسطين ما قبل وما بعد النكبة “خاصة مع انعدام التأريخ لتلك الفترات، واستغلال الاحتلال الصهيوني الفرصة لتزوير التاريخ وطمس الحقائق”.

وبدوره أكد البروفيسور أبو ستة على أن الاحتلال الصهيوني وقبل إعلان دولة الكيان قد شرد أكثر من 220 قرية ومدينة فلسطينية منها 11 مدينة رئيسية، مشيرًا إلى أن الحديث عن النكبة يجب أن يتضمن الحديث عن تهجير وتدمير القرى الفلسطينية، والمذابح التي ارتكبها الاحتلال في تلك القرى.

وشدد على ضرورة أن يتحول التاريخ الشفوي إلى علم مدروس، من خلال الوسائل الحديثة مثل: الصور الجوية المختلفة للكشف عن أماكن الخنادق التي دفن فيها الضحايا (كما حدث في مذبحة الطنطورة). وفي سياق متصل، أشار البروفيسور أبو ستة إلى الكذب والتزوير الصهيوني، والذي تجلى في إنكاره لمجزرتي الطنطورة والدوايمة على سبيل المثال، حيث قتل في الأخيرة ما يزيد عن 600 شخص، في الوقت الذي أنكر الاحتلال وجود القرية من الأصل، وفقًا للبروفيسور أبو ستة.

وتطرق إلى مشروع Anatomy of Massacre والذي يتضمن الحصول على الروايات الشفوية من مصادر مختلفة مثل الكتب والمصادر المختلفة، ومن ثمَّ تحويل تلك الروايات إلى واقع بموجب الخرائط والتصميم الجرافيكي، ودراسة التوافق الزماني والجغرافي لحوالي 70 مذبحة، وهو المشروع الذي أنتج بحثًا بعنوان “المذابح وسيلة التهجير العرقي”.

وفي ختام حديثه أكد أبو ستة أنَّ التاريخ الشفوي هو “سلاحنا ووثيقتنا الوحيدة”، مع الأخذ بالاعتبار عوامل علمية وتاريخية وجغرافية تؤكد صدق الرواية الفلسطينية، وزيف الرواية الإسرائيلية.

ومن ناحيته تحدث المؤرخ الأستاذ الدكتور منصور عن لقاء عقد في حيفا في 24 مايو شمل لجنة مهجري قرية الطنطورة من الناجين وأبنائهم وأحفادهم، قائلاً: “القضية لن تموت وهي حية في ذاكرة أبناء هذا الوطن أينما كانوا”، وأضاف: “شمل اللقاء كذلك مركز عدالة الحقوقي للمجتمع العربي الفلسطيني في الداخل، ومؤسسة Forensic Architecture، وهي مؤسسة أجرت عملية تطابق بين الوضع القائم اليوم والوضع قبل عام 1948 للقرية وأراضيها خاصة فيما يتعلق بالمقابر الجماعية، مستخدمة تقنيات حديثة ساعدت في تطابق الصور الجوية والخرائط الميدانية المتعلقة بأراضي القرية للكشف عن المجزرة”.

وتابع الأستاذ الدكتور منصور:”الحديث هنا عن أربع مقابر وليس اثنتين فقط”، مشيرًا إلى شهادات بعض الناجين مثل د. عدنان اليحيى ابن قرية الطنطورة الذي كان عمره 17 عامًا وقت وقوع المجزرة، والذي أجبره المحتلون على إلقاء الجثث في إحدى المقابر “الحفر” الجماعية.

وأوضح معرفته الشخصية للقرية التي محيت معالمها على مر الزمن، ولم يبق منها سوى “المقابر الجماعية تحت مواقف سيارات أقيمت عليها”، معبرًا عن “الوجع والألم لوجود جثث لأهلنا وعائلاتنا تحت ذلك الموقف قبل 75 عامًا” دون أي اعتراف من دولة الاحتلال.

وبين أن هناك توجه قانوني من قبل مؤسسة “عدالة” في خطوة أولى للتوجه إلى “القضاء الإسرائيلي، لإتاحة المجال لتسييج المنطقة التي يعتقد أنها تحتوي على مقابر جماعية” من جهة، وإتاحة المجال للناجين من المجزرة وأبنائهم وأهلهم للحضور إلى هذه المواقع لإقامة شعائر دينية أو صلوات لتثبيت المطالب الأولية في هذا الموضوع من جهة أخرى.

وشدد منصور على ضرورة إثارة الموضوع محلياً في الداخل الفلسطيني مع المؤسسات ذات العلاقة، في خطوة من الممكن أن “تفتح المجال لتسليط الضوء على مجازر أخرى مثل: الصفصاف، وصفد، وعين الزيتون، والدوايمة، ويافا وغيرها”، وتمهد الطريق لتقديم ملف لأي محكمة ذات اختصاص بهذا المجال.

وأكد على أهمية الاستفادة من تكثيف المقابلات الشفوية من الناجين من مجازر الاحتلال في القرى الفلسطينية ومنها الطنطورة، وتجميع الشهادات لتثبيت الحق الفلسطيني للتقدم بملف للمحاكم الدولية.

ومن ناحيته تحدث الأستاذ الدكتور صيام عن مساهمته في التاريخ الشفوي للأمم المتحدة وهو مشروع يعمل على تجميع شهادات شفوية للذين عاصروا أهم الأحداث التي تعاملت معها الأمم المتحدة في السنوات الأولى لتأسيسها ومنها قضية فلسطين.

وقال: “بدأت مساهماتي تلك بإجراء مقابلة طويلة مع عيسى نخلة ممثل الهيئة العربية العليا في نيويورك، والتي استمرت لـ 6 ساعات في نيويورك، ثم تتالت المقابلات مع د. حيدر عبد الشافي مؤسس جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في غزة، والدكتور إبراهيم أبو لغد من جامعة بيرزيت برام الله.

وأكد صيام على أهمية التاريخ الشفوي في الحضارة العربية والإسلامية، مشيرًا في ذلك السياق إلى جمع القرآن الكريم كتابةً في عهد الخليفة عثمان بن عفان.

وعرَّف التاريخ الشفوي على أنه”إجراء مقابلات مع شهود عيان لأحداث ماضية من أجل إعادة ترتيب التاريخ الصحيح”، متحدثًا حول الانتقادات التي طالت المؤرخين الذين استخدموا التاريخ الشفوي، والتي استندت إلى: تآكل الذاكرة مع تقدم العمر، وتأثير الحنين للماضي على سردية الرواية وتحويرها لتناسب الصورة العالقة في الذهن، والانحياز الشخصي والابتعاد عن الموضوعية، وتأثير الرواية الجماعية والصورة النمطية التي يتم تعميمها”.

وفنَّد صيام تلك الانتقادات مستشهدًا بمؤيدي التاريخ الشفوي بقوله: “ليس عيبًا إن اختارت الذاكرة جزءًا من الوقائع وليس كلها، أو أخطأت في التواريخ والتفاصيل”.

وأشار إلى أنه على الرغم من أن “التلاعب وارد في كتابة التاريخ وغيره من الأنشطة الإنسانية إلا أن ذلك لا يلغي الذاكرة جملة واحدة وإنما يعزز من الجهود للحفاظ عليها من الضياع”، منوهًا إلى أن كتاب “تاريخ التأريخ” للكاتب (وجيه كوثراني) يوضح أن هناك شعوبًا وجماعات بأكملها لا تعتمد إلا على التاريخ المروي شفويًا مثل ذاكرة المناضلين والمقاومين والمهمشين، بل إن شعوبًا ليس لها أي تاريخ مكتوب مثل السكان الأصليين “فرفض الرواية الشفوية هو إلغاء لكل هؤلاء”.

وتابع صيام: “لقد استخدمت الأمم المتحدة آلية التأريخ الشفوي لجمع المعلومات حول أحداث معينة عايشها الناس أحياءً ويخشى رحيلهم وبالتالي أوجدت أرشيفًا واسعًا تحت عنوان التاريخ الشفوي للأمم المتحدة”، وأردف: “ثم لجأت الأخيرة للمقابلات الشفوية في عمليات التحقيق، حيث تستند لجان التحقيق في الأحداث الكبرى على جملة المعلومات وتوثيقها، وإلى آلية التاريخ الشفوي ضمن وسائل أخرى مثل: المعلومات الشبكية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والعينات المأخوذة من المكان والضحايا، وصور الاقمار الصناعية، والدراسات المخبرية، والحفريات، وأجهزة التنصت والاستماع إلى محادثات المسئولين، والفيديوهات الشخصية والرسمية، والوثائق الرسمية وغير الرسمية”.

وأفاد بضرورة وجود أكثر من مصدر واحد يؤكد المعلومة نفسها “كي تدخل أي معلومة في التقرير النهائي الذي يقدم لمجلس الأمن أو مجلس حقوق الإنسان أو الجمعية العامة”.

وفيما يتعلق بمجزرة الطنطورة، قال صيام: “إن أول من دعا إلى تشكيل عمل مؤسسي لجمع التاريخ الشفوي للفلسطينين وتأطيره هو البروفيسور الراحل إدوارد سعيد عام 1988، عندما كان يدير اجتماعًا في باريس بين مؤرخين فلسطينيين وإسرائيليين حين دعا إلى إعادة بناء الماضي وخاصة للأحداث المريعة التي واكبت النكبة الفلسطينية وعشرات المذابح التي رافقت عملية التطهير العرقي للفلسطينيين”.

وأشار صيام إلى عشرات المواقع والمبادرات التي توثق التاريخ الشفوي بالصوت والصورة، ومنها مركز التاريخ الشفوي بالجامعة الإسلامية، مشيدًا بجهود المركز التي أثمرت عن توثيق ما يزيد عن ألفي رواية منذ إنشائه عام 1998.

وعاد بحديثه إلى مجزرة الطنطورة، حيث ذكر أن أول ذكر لها جاء على لسان الحاج محمد نمر الخطيب (رجل دين وإمام مسلم كان عضوًا في اللجنة الوطنية العربية العليا في حيفا)، وذلك عام 1950 حيث نشر الأخير مقالاً بدمشق بعنوان “من آثار النكبة”، نقل فيها روايات شهود عيان، أشارت إلى اغتصاب فتاة من قرية الطنطورة والتي عولجت في مستشفى بنابلس.

وتابع:”نشر مقال آخر لوليد الخالدي عام 1988 في مجلة دراسات فلسطينية أشار فيه إلى منهجية إطلاق النار والدفن في مقبرة جماعية لنحو  40 شابًا في الطنطورة”.

وتحدث صيام عن رسالة ماجستير بجامعة حيفا لـ (تيدي كاتس) عام 1998، والتي تضمنت مقابلات مع أفراد اللواء الذين شاركوا في المذبحة إلى جانب الناجين، وانتهى الأمر بقضايا رفعت على كاتس وشكوى لتعويض بمليون شيكل بعد اتهامه بالإساءة لـ “سمعة الجيش”.

وتابع حديثه حول (ألون شوارتز) الذي حول تلك الوثائق إلى فيلم عام 2022، وتعرض لانتقاد إسرائيلي بزعم “اعتماده على الرواية الشفوية”.

واعتبر صيام أن “الطنطورة” هي الحالة الوحيدة التي نوقشت في محكمة إسرائيليةـ وقد أوقف القاضي وقتها المحاكمة، ومنع الناجين الفلسطينيين من دخول المحكمة والإدلاء بشهاداتهم.

وتخلل اللقاء مداخلات من الحضور وعلى رأسهم نائب رئيس الجامعة الإسلامية للشؤون الأكاديمية الأستاذ الدكتور عليان الحولي، وعميد كلية الآداب بالجامعة الأستاذ الدكتور أسامة حماد، ورئيس تجمع حكماء فلسطين اللواء مصباح صقر، والباحث والصحفي الفلسطيني أحمد الباش المتخصص في شؤون اللاجئين وتوثيق الذاكرة الشعبية الفلسطينية.

 

 

 

 

 

 

x